هابل يرصد تفاصيل شبكة المادة المظلمة في عنقود مجرات Abell 209 بصورة غير مسبوقة

كشفت وكالة ناسا والوكالة الأوروبية للفضاء عن صورة جديدة مذهلة التقطها تلسكوب هابل الفضائي لعنقود المجرات الضخم Abell 209، الذي يقع على بعد 2.8 مليار سنة ضوئية في كوكبة القيطس، ورغم أن المشهد يحتوي على أكثر من 100 مجرة متألقة، فإن هذه الصورة تمثل فقط نصف الحقيقة، إذ تشير البيانات إلى أن هذه المجرات معلقة داخل شبكة غير مرئية من الغاز الساخن والمادة المظلمة التي تشكل الهيكل الخفي للكون.
تم التقاط هذه الصورة باستخدام كاميرا الاستطلاع المتقدمة والكاميرا واسعة المجال 3، عبر 12 تعريضًا ضوئيًا بألوان مختلفة، تم دمجها لإنشاء هذا العرض البانورامي، وتظهر مركز العنقود بتوهج ذهبي حيوي حيث تتجمع عشرات المجرات الإهليلجية الساطعة، فيما تنتشر على الأطراف مجرات حلزونية بلون أزرق باهت، وقد ساعد موقع هابل خارج الغلاف الجوي في تجنب التشويش البصري ليُظهر تفاصيل دقيقة وواضحة.
يؤكد علماء الفلك في ناسا أن صورًا من هذا النوع تساهم بشكل كبير في فهم المادة المظلمة والطاقة المظلمة، اللتين تشكلان معًا أكثر من 95% من مكونات الكون، بينما لا تشكل المادة المرئية سوى نحو 5% فقط، ويحتوي عنقود Abell 209 على كميات ضخمة من الغاز الساخن المنبعث منه أشعة سينية، لكن الجزء الأكبر من كتلة العنقود يظل في شكل المادة المظلمة غير المرئية، التي لا يمكن رصدها مباشرة وإنما يتم استنتاج وجودها من خلال تأثيرها الجاذبي.
تستفيد ناسا من ظاهرة عدسات الجاذبية، حيث تتسبب الكتلة الضخمة للعنقود في انحناء الضوء القادم من المجرات البعيدة، مما يخلق تشوهات طفيفة في الصور، وتظهر بعض المجرات الخلفية في صورة هابل على شكل خطوط ممدودة ومنحنية بتأثير هذه العدسات، ومن خلال قياس هذه الانحرافات يتمكن العلماء من رسم خريطة لتوزيع الكتلة داخل العنقود بما يشمل المادة المظلمة، وتُستخدم هذه الخرائط لاختبار نظريات تطور الكون عبر مليارات السنين تحت تأثير المادة والطاقة المظلمة.
يؤكد العلماء أن هذه الصور لا تقتصر على جانبها الجمالي فقط، لكنها توفر أدوات علمية دقيقة تساعد في الإجابة على بعض من أعقد الأسئلة الكونية، مثل ماهية القوى التي تمسك بالكون وكيفية توسع الكون، وهل نعيش في كون مرئي فقط أم داخل نسيج أعقد كثيرًا وغير مرئي، وتعد هذه الصورة مثالًا آخر على الإنجازات التكنولوجية التي يقدمها تلسكوب هابل، الذي يواصل تحقيق اكتشافات مذهلة بعد أكثر من ثلاثين عامًا في مدار الأرض، ومع كل صورة جديدة نقترب خطوة نحو فهم أعمق للطبيعة الخفية للكون.